عودة من تحت الرّماد-أحمد الحضراوي / أودنارد /بلجيكا
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
شعر

عودة من تحت الرّماد

  أحمد الحضراوي    

همّت أميمة أن تؤاذن للذّهاب         و تأهّبت للبـين في أبهى ثيــاب

فالقلـب من إيهـــــابها متعلّــــل         و الشّوق قد أفضى أعـاصير الغيــاب

من لي بصـبر و الزّمـــان عيونــه       ترنو إليّ بغير عطف بل عتـاب

ترنـو إليّ بأعــين في لمحهــا الـ..     شّزرات عابثة بأغـوار الغضـاب

و أنا المهـاجر لا الخليلة راحـل             في البيد للمجهول لا يُرجى إيــابي

متناثر الإحساس في شوق النّـوى           و الرَّوْح يعصم دمعتي رهن اليبـاب

أُسدي إلى الأوحال خطوة نكبتــي               و هي الصّبيئة أرهقت قلب المصـاب

وطريق يأسي غـــابة بذئـــابها            و وحوش أمسي أربدت هول النّيــاب

قال الصّحاب و قد رأوني آسيــا         مهلا فقيد الحبّ يا لحن الرّبــاب

للحبّ آهات و رنّــات لعمـ..    ـ     ري فالهوى يُنئي الحياة عن الشّباب

فتبسّـمــنْ، إنّ الحيـــاة قصــــيرة         و ارغب بقلبك ناسيـا ذكر الشّراب

مــا ذاك إلاّ كأس وهـــم دافــق             بفحيح رقطاء فلا تعكف لساب

قـالوا و مـــا غير الظّنون أثيمـة           و الفكر في غدر الزّمـــان على سراب

من أشعر الشّعراء حتّــى يرثني            و يقيم للأطلال آهـات الكتاب

و يلوم في الأحبـاب ســاعات قصا..        ر بُدّدت بين التّرقّب و العــذاب

***

و الرّكب حولي سـاهم يرثي فتى        يرثي غضوضا ضاع في دنيا اكتئـاب

يرنـــو إلى أيّـــام مجــد قـد دنـت        بالأمس كانت بعض أوصـال المهـاب

ركب من الوجدان وارد ورده        و كأنّه القنديل باد في الضّبـاب

 تطفو عليــه النّـــار إجــلالا إذا         ما ألهب الأحزان في حضن الصّخاب

  و تلوكه الأشـواك من أرجـــاءه          تسقي دماء دافقات للصّحاب

فرسانه الرّهبان و العزم الجيـا..        د توثّبت للسّير من غـير اضطراب

و على طلول الدّرب ينتهروا الظّنو..        ن يُصغّروا الإكبـار للبيض الغِراب

و يسفّهوا أحلام جنــد ســادر        شلّت نبيض العزم عن روح الشّهاب

يسري على نغم الرّيــاح مودّعـا         أثر الخطى من غير عـود للتّراب

و أنا الفتى أرنـو على قسمــاته        طيب المآل تلهّفــا نحو العُبــاب

أرنــو نيــــابا أكبرت صفحـــاته        و أرى مصيري في تقاطيع النّياب

  فأجيئها و هي ابتسام ســاخر          و أردّها لمّـــا تلوّح في ارتيـــاب

عجبــا طيوف الموت إنّي لامح        زهر الرّبيع مفدّيا في صدر بابي

و ضيافتـي عربيّة لك كالحُطي..        ء بناقة الرّمضاء إعصير الرّقــاب

فلعلّهـــا للقلـب بلسمـــه الّـــذي        سيردّ لي الأمل الّـذي بـين الرّكاب

***
كلّ يغنّي للدّنــا و أنــا غنــا..        ئي في خلود ضاع في طيّ الشّعاب

للمجد أشدو شدو طير حالم        و إليه أغدو في نسيم العمـر آب

و أطير توّاقــا إلى صبح النّدى        بالبِشر و الإنداء و الشّهد الرّضــاب

فلقد مضت بي أمّتي في عتمـة        و رمت يقيني في دياجير الغياب

 أضحت بي الأيّــام أشلاء المنى         و تسلّلت في عاتقي أندى صعـاب

 تيهـان في بحر الظّـــلام مجـــازفا     و الموج عـات مطبق مثل الحـِراب

و رجعت لمّـا العمر آذى شيبتـي        في قبلة الأحزان ندمانا يحــابي

زمـن الوصـــال بعيـــدة أسـراره        سرّ عظيم ظلّ في روح الخطاب

يجتثّنـي من وحـل قلبـي ظافرا        فأعود أخسـأ نحوه دون الصّواب

لأقيـم للأشعـــار تمثـــال الهــوى            و أزلّها أنوي بها حسن الكعاب

فتغــوص في يمّ القنـــائع خلتهـــا    حسنا، و أين الحسن في وجـه الغراب

المكر يُنسج لي بأكفف إخوتي        و أنا الّذي لم ألتفت عمري لصـاب

 يقف العذال على شموخي يُلفحــوا         من شمس مجدي قد تراءت في انتســاب

 فيصعّروا من حقدهم أجنــانهم          في بؤرهـا سفه ذليــل كالتهــاب

يا مجد عمري مـا أرى فيهم و إنـ..        ـي قد حسبتهمو أناسي بل رحـابي

لكن ترى يجـدي فــؤاد طـــاهر        في غابة الإنسان تزخر بالكلاب

 و هو الغريب بغـابهم بين الوحو..          ش صخابهـا ينسلّ مكتمل النّصـاب

فلئن مددت يدي بأنسام الشّـذا        مدُّوا إليّ يـدا بحيّـــات الخـراب

  و لئن مررت إليهمـو بالشّهد هم         غسلوه دمعا سال منّي للجواب

 فلم الضّغــائن يا زمــان و إنّنـي          منهم؟! و لكن للحياة عطاء خابي

فلقد حبتنـي بالسّنــاء نجومهـا        أم كلّ ذي عزّ يعرّض للسّبــاب

نفسي أبت غير الشّموخ رسـالة        و تطلّعت للمجد في أندى الهضــاب

و تسلسلت بالشّأو نبراســا صوى        فلينعق الحسّــاد إنّي في طِراب

بلّــغ أخـــا وشــي بـــأنّي لم أزل        شعر الرّواة تردّدنْ عند الطِّلاب

و حكايتي في خلدها لا تنتهي        فهي السّناء، رموزها فوق السّحاب

إن كنت بالأمس القريبـة معرضـا        فاليوم لو تدرين ما يخفـي جرابـي!

بل ليتكم تدرون من ذا هنتمـو         كِبرا، و قد أبدى لكم كلّ استطـاب

أمشي أنا مشي الشّهــادة فوق طيـ..    ـ    ف الخوف و الأعداء و الألم المُهاب



 أمشي أنا رغم السّيـوف سليلـة          قد طاولت رأسي ليدنى للضّـراب

أمشي بعزم عاصف فوق العوا..          صف عازفا عمري بأوتـار العـذاب

أمشي و قد أشرعتُ أجنحة الإبا..       ء وطرت عن هذا الثّرى دون اقتراب

و الأرض تهتف و السّمـــاء تهيم في    وتري بأرواح الطّبيعة في انسيـاب

قد عدت من تحت الرّماد كأنّنـي        ماء زلال من صفـاء الإنسكاب

يسقي طلـولي و هْي رمل أجرد        ليعيدها خضراء في نبع الرّوابـي

تمضي بـي الأيـــام دربـــا آخــرا        و جديده الأشواك في أثر المـآب

يـا رحلة الأيـــام مــا تخفـــين لي        و السّير في أهدابك الحمراء سابي

ظلّ المصـير معلّقــا في خطـوتي        و تصبّري، و الشّوك قد أدمى وطابي

مذ أنّـب الحـبَّ المتيّــم نــــازفا        مذ بثّ في ركب الدّمـاء شدا الوصـاب

    مذ راودتني منه وسنـات غفت            لمّــا تيقّــن من حثيثـــي للُّبـــاب

 هل ترجعين إليّ ذكرى شقوتـي        و تعلّميني كيف رنّات الخوابـي

أم تمنحيني غايتي الكبرى نــأت          في مظلم الآهات من خلف الحجاب

  أم تعصمينــي من نبـــاح نوابـــح         لو يؤذني - أرثيه من قلب رغـــاب

  إنّي على عهد الشّموخ مجــازف        بالنّفس و الأنفاس و الحور الخِـلاب

  لا أستريح و قد تغنّـاني الرّدى             و تلا خصالي في تراتيل الخضـاب

   لكنّـــه سـرّ يدحــرج ســـاعتـي          و بمهجتي بذر الهوى دمع انتحــابي

آليـــت ألاّ أستغيـــث بخـــــافق             و الحبّ يؤويني إلى سجن الشّـواب

ذنبـي بأنّي قد هممت إلى دنــا           من أنعم الإجلال و الرّغد المُشـاب

  و الذّنب تلك الرّوح تهفو للعلا             في أزمن الإذلال و الرّأس المُــذاب

هذا زمــان للقــرود و قد أبـى              إلاّ القرود تضجّ في هذا اليبـاب!



 
  أحمد الحضراوي / أودنارد /بلجيكا (2010-11-01)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

عودة من تحت الرّماد-أحمد الحضراوي / أودنارد /بلجيكا

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia